Tuesday, January 5, 2010

ابن الخباز الذى تنتظره مصر

بقلم د. أيمن الجندى ٢٨/ ١٢/ ٢٠٠٩

بعض التعليقات تكون - أحيانا - أجمل من المقال نفسه، تُثرى المعانى الكامنة فيه، أو تُبرز عمقا لم يقصده كاتبه، وتُحوّله من مجرد (باب مغلق) على دكّان كاتبه إلى (نافذة مفتوحة) للقراء جميعا، يتسرب منها نسيم الصباح، ونُشاهد من خلالها المدى الأخضر والسماء الزرقاء.

أقول هذا بمناسبة مقال السبت (الذى خدم الرب أكثر من سواه) الذى أعترف بأننى - حين كتبته - لم يكن بذهنى أى إسقاط سياسى على أحوال مصر، وإنما دعوة إلى الفهم السليم لمقاصد الدين كما يفهمها كل ذى بصيرة أيّا كان دينه ومعتقده.

وهو عن قصة للكاتب الإنجليزى «سومرست موم»، ملخصها أن العذراء عليها السلام تجلّت لفتاة مشلولة وأخبرتها بأن (ابن الخباز الذى خدم الرب أكثر من سواه) هو وحده القادر على القيام بمعجزة شفائها من مرض الشلل.

وتمضى أحداث القصة لنعرف أن للخباز ثلاثة أبناء: الأكبر راهب صارم، طهر البلاد من المهرطقين بالسيف والنار، والثانى قائد عسكرى بارز قاد حروبا ناجحة، والثالث ابنه البسيط الذى ورث المهنة، وينفق على والديه المسنّين ويساعد الفقراء، ولكنه دون مكانة دنيوية. وتنتهى القصة بفشل الراهب المشهور والعسكرى البارز فى القيام بالمعجزة، فيما ينجح الابن البسيط فى شفاء الفتاة المشلولة.

أحد القرّاء الذى وقّّّع باسم «العميد» كتب تعليقا مدهشا فى الصفحة الإلكترونية للجريدة، ذكر فيه أن الفتاة المشلولة هى (مصر) التى تنتظر (ابن الخباز) الذى سيُقيمها من الشلل، وأكد أيضا أنه موجود بالفعل، ولكنه يحتاج إلى الثقة فى اختيار الناس له، ثم ختم تعليقه بنداء مؤثر: «تعال يا ابن الخباز.. نحن فى انتظارك».

أدهشتنى بصيرة هذا القارئ الذكى الذى لا أعرفه، فحسب هذه القراءة المدهشة، مصر مشلولة عاجزة عن الحركة، نستيقظ كل صباح لنشاهد الوجوه نفسها منذ أكثر من ثلاثين سنة. ولم يكتفوا بذلك بل يُريدون أن يُورّثوها لأبنائهم، وليذهب إلى الجحيم مئات الآلاف من الأذكياء والنابغين فى كل شبر من أراضيها، فى الكفور والنجوع، فى المدن والقرى، فى حارات القاهرة القديمة وأحيائها الارستقراطية. مصر الودود الولود، التى لا تكف عن إنجاب العشاق والشعراء والعلماء. ولكن - وا حسرتاه - يُولدون ويموتون دون أن يحقّقوا ذاتهم أو يدرى بهم أحد.

وحسب القراءة ذاتها فـ«ابن الخباز» الذى تنتظره مصر هو (ابن خباز!)، وليس واحدا من المترفين الذين يعتقدون أن تراكم القمامة دليل على (رخاء الشعب)!، ولأن الراهب فشل فى تحقيق المعجزة، فإن (ابن الخباز الذى تنتظره مصر) لن يكون من الجماعات الدينية التى لم تفهم أن أرقى تجليات الدين هى الخدمات الاجتماعية. ابن الخباز كان يفهم الدين على أنه مساعدة الفقراء وإعانة الضعفاء والقيام على حاجات العجائز، ويعلم بفطرته أن (الدين هو المعاملة).

ولأن القائد العسكرى فشل هو الآخر فى شفاء المشلولة، ولذلك فإنه لن يكون عسكريا، وإنما واحد من البسطاء الذين لا يُصدقون أنّهم قادرون على شفاء مصر العليلة من الشلل.

لذلك أشارك صاحب القراءة المدهشة فى ندائه المؤثر: «مصر تنتظرك، فلا تطل غيابك عنا، يا ابن الخباز الوديع، القادر بالمحبة على صنع المعجزات».


التعليق

لم اقرأ المقال الأصلي

ولكن استوقفتني تلك الإسقاطات ... الشئ الوحيد الذي افخر بتعلمه في كليتي هو النقد عن طريق الإسقاطات سياسية كانت او إجتماعية

بلدنا لا تحتاج لهذا او ذاك

بلدنا لا تحتاج القمع العسكري



0 Comments:

Post a Comment



Template by:
Free Blog Templates